كان الخليفة المأمون قد وكّل الفراء يلقن ابنيه النحو
فلما كان يومًا أراد الفراء أن ينهض إلى بعض حوائجه ... فـ ابتدرا إلى نعل الفراء يقدمانها له
فـ تنازعا أيهما يقدمها.. ثم اصطلحا على أن يقدم كل واحد منهما فردة.. فقدماها.
وكان المأمون له على كل شيء صاحب خبر – أي رجل يأتيه بالأخبار – فرفع إليه ذلك الخبر
فوجه إلى الفراء فاستدعاه.. فلما دخل عليه قال له : من أعز الناس ؟
قال : ما أعرف أحدًا أعز من أمير المؤمنين.
قال: بلى، من إذا نهض تقاتل على تقديم نعليه وليا عهد المسلمين حتى رضي كل منهما أن يقدم له فردة
قال: يا أمير المؤمنين، لقد أردت منعهما من ذلك.. ولكن خشيت أن أدفعهما عن مَكْرُمَةٍ سبقا إليها
وأكسر نفوسهما عن شريفة حرصا عليها
وقد روي عن ابن عباس أنه أمسك للحسن والحسين رضي الله عنهما ركابيهما حتى خرجا من عنده
فقال له بعض من حضر: أتمسك لهذين الحدثين ركابيهما وأنت أسن منهما
فقال له: اسكت يا جاهل، لا يعرف الفضل لأهل الفضل إلا ذوو الفضل.
فقال له المأمون: لو منعتهما عن ذلك لأوجعتك لومًا وعتبًا، وألزمتك ذنبًا
وما وضع ما فعلاه من شرفهما.. بل رفع من قدرهما وبيّن عن جوهرهما
ولقد ثبتت لي مخيلة الفراسة بفعلهما..
فليس يكبر الرجل – وإن كان كبيرًا – عن ثلاث :
عن تواضعه لسلطانه.. ووالده.. ومعلمه العلم..
وقد عوضتهما بما فعلاه عشرين ألف دينار.. ولك عشرة آلاف درهم على حسن أدبك لهما