الأساليب النبوية في معالجة الأخطاء :-
(10) بيان مضرة الخطأ
عن أَبي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِي قَالَ: كَانَ النَّاسُ إِذَا نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْزِلا تَفَرَّقُوا فِي الشِّعَابِ وَالأَوْدِيَةِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ تَفَرُّقَكُمْ فِي هَذِهِ الشِّعَابِ وَالأَوْدِيَةِ إِنَّمَا ذَلِكُمْ مِنَ الشَّيْطَانِ فَلَمْ يَنْزِلْ بَعْدَ ذَلِكَ مَنْزِلا إِلا انْضَمَّ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ حَتَّى يُقَالَ لَوْ بُسِطَ عَلَيْهِمْ ثَوْبٌ لَعَمَّهُمْ رواه أبو داود رحمه الله تعالى في سننه 2286 وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود برقم 2288. وفي رواية: حَتَّى إِنَّكَ لَتَقُولُ لَوْ بَسَطْتُ عَلَيْهِمْ كِسَاءً لَعَمَّهُمْ أحمد: الفتح الرباني 14/44
ويُلاحظ رعاية النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه، وفيه حرص القائد على مصلحة جنوده.
وأن تفرّق الجيش إذا نزل فيه تخويف الشيطان للمسلمين وإغراء للعدو بهم انظر عون المعبود 7/292 والتفرق يمنع بعض الجيش من معونة بعض انظر دليل الفالحين 6/130
ويُلاحظ امتثال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لتوجيهه فيما استقبلوا من أمرهم.
ومن الأمثلة أيضا على بيان مضرة الخطأ وخطورته حديث النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ رواه البخاري في صحيحه فتح رقم 717
فتبيين مفاسد الخطأ وما يترتب عليه من العواقب أمر مهم في الإقناع للمخطئ، وقد تكون عاقبة الخطأ على المخطئ نفسه وقد تتعدى إلى آخرين فمن الأول ما رواه أبو داود رحمه الله تعالى في سننه عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ رَجُلًا لَعَنَ الرِّيحَ وَقَالَ مُسْلِمٌ إِنَّ رَجُلا نَازَعَتْهُ الرِّيحُ رِدَاءهُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَعَنَهَا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا تَلْعَنْهَا فَإِنَّهَا مَأْمُورَةٌ وَإِنَّهُ مَنْ لَعَنَ شَيْئًا لَيْسَ لَهُ بِأَهْلٍ رَجَعَتِ اللَّعْنَةُ عَلَيْهِ أبو داود رقم 4908 وهو في صحيح أبي داود رقم 4102
وفي رواية للبخاري عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِي اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا يُثْنِي عَلَى رَجُلٍ وَيُطْرِيهِ فِي مَدْحِهِ فَقَالَ أَهْلَكْتُمْ أَوْ قَطَعْتُمْ ظَهَرَ الرَّجُلِ فتح 2663
فقد بيّن النبي صلى الله عليه وسلم هنا لهذا المبالغ في المدح المخطئ فيه عاقبة خطئه وذلك أن الزيادة في الإطراء تُدخل في قلب الممدوح الغرور فيتيه بنفسه كبرا أو إعجابا وربما يفتر عن العمل متواكلا على الشهرة الآتية من المدح أو يقع في الرياء لما يحسّه من لذة المدح فيكون في ذلك هلاكه وهو ما عبّر عنه صلى الله عليه وسلم بقوله: " أهلكتم " أو " قطعتم عنق الرجل " أو " ظهر الرجل ".
ثم إن المادح قد يجازف في المدح ويقول ما لايتحققه ويجزم بما لا يستطيع الاطلاع عليه وقد يكذب وقد يرائي الممدوح بمدحه فتكون الطامة لاسيما إن كان الممدوح ظالما أو فاسقا انظر الفتح 10/478
والمدح ليس منهيا عنه بإطلاق وقد مدح النبي صلى الله عليه وسلم أشخاصا وهم حضور وقد جاء في عنوان الباب في صحيح مسلم إيضاح مهم: بَاب النَّهْيِ عَنِ الْمَدْحِ إِذَا كَانَ فِيهِ إِفْرَاطٌ وَخِيفَ مِنْهُ فِتْنَةٌ عَلَى الْمَمْدُوحِ * كتاب الزهد والرقائق صحيح مسلم
والذي يعدّ نفسه مقصّرا لا يضره المدح وإذا مُدح لم يغترّ لأنه يعرف حقيقة نفسه قال بعض السلف: إذا مُدح الرجل في وجهه فليقل: اللهم اغفر لي ما لا يعلمون، ولا تؤاخذني بما يقولون، واجعلني خيرا مما يظنون. فتح 10/ 478.