لأساليب النبوية في معالجة الأخطاء :-
(18) إرشاد المخطئ إلى تصحيح خطئه
وقد كان ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم بعدة أساليب منها:
- محاولة لفت نظر المخطئ إلى خطئه ليقوم بتصحيحه بنفسه
ومن الأمثلة على ذلك ما رواه أَبِو سَعِيدٍ الخدري رضي الله عنه وكان مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فَدَخَلُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَأَى رَجُلا جَالِسًا وَسَطَ الْمَسْجِدِ مُشَبِّكًا بَيْنَ أَصَابِعِهِ يُحَدِّثُ نَفْسَهُ فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَفْطِنْ قَالَ فَالْتَفَتَ إِلَى أَبِي سَعِيدٍ فَقَالَ إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلا يُشَبِّكَنَّ بَيْنَ أَصَابِعِهِ فَإِنَّ التَّشْبِيكَ مِنَ الشَّيْطَانِ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لا يَزَالُ فِي صَلاةٍ مَا دَامَ فِي الْمَسْجِدِ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْهُ رواه أحمد في مسنده 3/54 وقال الهيثمي في المجمع: إسناده حسن 2/25
ـ طلب إعادة الفعل على الوجه الصحيح إذا كان ذلك ممكنا
فعن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ فَصَلَّى ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْكَ السَّلامُ ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ فَرَجَعَ فَصَلَّى ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ فَقَالَ وَعَلَيْكَ السَّلامُ فَارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ فَقَالَ فِي الثَّانِيَةِ أَوْ فِي الَّتِي بَعْدَهَا عَلِّمْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلاةِ فَأَسْبِغِ الْوُضُوءَ ثُمَّ اسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ فَكَبِّرْ ثُمَّ اقْرَأْ بِمَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَسْتَوِيَ قَائِمًا ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلاتِكَ كُلِّهَا رواه الجماعة واللفظ للبخاري فتح 6251
ومن الملاحظ:
* أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينتبه لأفعال الناس من حوله كي يعلمهم وقد وقع في رواية النسائي: أَنَّ رَجُلا دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَصَلَّى وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْمُقُهُ وَنَحْنُ لا نَشْعُرُ فَلَمَّا فَرَغَ أَقْبَلَ فَسَلَّمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ.. الحديث 2/193 صحيح سنن النسائي رقم 1008
فمن صفة المربي أن يكون يقظا لأفعال من معه
* إن من الحكمة في التعليم طلب إعادة الفعل من المخطئ لعله ينتبه إلى خطئه فيصححه بنفسه خصوصا إذا كان الخطأ ظاهرا لا ينبغي أن يحدث منه وربما يكون ناسيا فيتذكر
* إن المخطئ إذا لم ينتبه إلى خطئه وجب البيان والتفصيل
* إن إعطاء المعلومة للشخص إذا اهتم بمعرفتها وسأل عنها وتعلقت بها نفسه أوقع أثرا في حسّه وأحفظ في ذهنه من إعطائه إياها ابتداء دون سؤال ولا تشوّف.
إن وسائل التعليم كثيرة يختار منها المربي ما يُناسب الحال والظرف.
ومن أمثلة طلب إعادة الفعل الخاطئ على الوجه الصحيح أيضا ما رواه مسلم رحمه الله تعالى في صحيحه عَنْ جَابِرٍ أَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنَّ رَجُلا تَوَضَّأَ فَتَرَكَ مَوْضِعَ ظُفُرٍ عَلَى قَدَمِهِ فَأَبْصَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ ارْجِعْ فَأَحْسِنْ وُضُوءَكَ فَرَجَعَ ثُمَّ صَلَّى صحيح مسلم 243
ـ طلب تدارك ما أمكن لتصحيح الخطأ
فقد روى البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه عن ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ امْرَأَتِي خَرَجَتْ حَاجَّةً وَاكْتُتِبْتُ فِي غَزْوَةِ كَذَا وَكَذَا قَالَ ارْجِعْ فَحُجَّ مَعَ امْرَأَتِكَ الفتح 5233
ـ إصلاح آثار الخطأ
روى النسائي رحمه الله تعالى في سننه عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَجُلا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنِّي جِئْتُ أُبَايِعُكَ عَلَى الْهِجْرَةِ وَلَقَدْ تَرَكْتُ أَبَوَيَّ يَبْكِيَانِ قَالَ ارْجِعْ إِلَيْهِمَا فَأَضْحِكْهُمَا كَمَا أَبْكَيْتَهُمَا المجتبى 7/143 وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي برقم 3881.
ـ الكفارة عن الخطأ
إذا كانت بعض الأخطاء لا يمكن استدراكها فإن الشريعة قد جعلت أبوابا أُخر لمحو أثرها ومن ذلك الكفارات وهي كثيرة ككفارة اليمين والظهار وقتل الخطأ والوطء في نهار رمضان وغيرها.