.
معاملة النّبيّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- للأطفال
الجزء الأول ..
فطن الرّسول محمّدٌ -صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم- إلى أنّ التّعامل
النّاجح مع الطّفل يعتمد على أساليبَ تربويَّةٍ مدروسةٍ، تقوم على العلم
والخبرة والتّجربة وسعة الصّدر والصّبر والاحتواء؛ ونظرًا لأهمية تلك
المرحلة العمريَّة فقد صاغ لها -صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم- منهجًا
في التّعامل التّربويّ والعلميّ، أنتج شخصياتٍ ناجحةً منجزةً، وقياداتٍ
متميزةً فذَّةً، وعلماء متفردين عباقرة، ومن أهم محاور المنهج التّربويّ في
تعامله -صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم- مع الأطفال:
اللطف بالأطفال والبساطة في التّعامل معهم:
الأطفال دومًا يحبّون من يتبسط معهم، ويعايشهم وكأنّه واحدٌ منهم، وينفرون
من الغليظ العبوس الغاضب، ويتحفزون للجاد الوقور، وقد علم محمّدٌ -صلَّى
الله عليه وعلى آله وسلَّم- طبائع ذلك العمر، وكان يتعامل معه بما يحبّونه،
ويحاول أن يبثّ من خلال بساطته معهم ومزاحه وتلطفه بهم معانٍ مهمّةً في
تقويم السّلوك وتكوين الشّخصيَّة النّاجحة.
فعن أبي هريرة -رضي
الله عنه- قال: «كنَّا نصلي مع رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- العشاء،
فإذا سجد وثب الحسن والحسين على ظهره، وإذا رفع رأسه أخذهما بيده من خلفه
أخذًا رفيقًا، فوضعهما وضعًا رفيقًا، فإذا عاد؛ عادا، فلما صلذَى وضعهما
على فخذيه» ([1]).
إنّ الطّفل لا يمكن أن تعي مداركه الواجبات
والحقوق والأصول والمبادئ والقيم والمعاني، إنّما يبدأ في تلقيها خطوةً
خطوةً عبر سنين حياته، ومخطئ من يتعامل مع الطّفل تعامله مع الكبير، الّذي
لا بد أنّه يعرف الأصول والضّوابط، ولهذا نجد أناسًا كثيرين يسيئون معاملة
الطّفل؛ حيث يطالبونه أن يكون ساكنًا هادئًا رزينًا وقورًا، وهو ما لا
يستطيعه.
تحكي لنا صحابية اسمها أم خالد عن مشهد كان في طفولتها
لا زالت تذكره وتقول: «أتيت رسول الله -صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم مع
أبي، وعليَّ قميص أصفر. قال رسول الله -صلَّى الله عليه وعلى آله وسَّلم-:
سَنَهْ سَنَهْ. قالت: فذهبتُ ألعب بخاتم النبوة فَنهاني أبي. قال رسول
الله -صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم: دعها. ثمّ قال رسول الله -صلّى
الله عليه وعلى آله وسلَّم-: «أبْلِي وأخلقي، ثم أبلي وأخلقي، ثم أبلي
وأخلقي» ([2]).
إنّه مشهدٌ متميزٌ ومعبرٌ عمَّا نريد أن نقوله،
يأتي الرّجل ومعه ابنته إلى محمّدٍ -صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم- وهو
يعلم حبّه للأطفال، وأنّه لا يتبرم ولا يتأفف من لقائهم، بل يبَشّ لهم
ويسعد بهم، وتجترئ البنت عليه وتتعلق على ظهره وتلعب، وهو يضحك ولا يتأفف
بل يدعو لها ويكرر دعاءه ثلاثًا.
وربما حمل الرّسول محمَّدٌ
-صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم- الطّفل الصّغير فيبول على ثوبه، فيدعو
بماء فينضَح ثوبه به، ولا يغسله. وقد تكررت مواقف بول الأطفال الصّغار على
ثيابه وفي حجره -صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم- من كثرة حبّه لهم وحمله
لهم، ولم يقتصر حمله على الصّبيان بل والبنات أيضًا.
ويقول صاحبه
أبو موسى الأشعري: «وُلد لي غلامٌ، فأتيت به النّبيّ -صلَّى الله عليه
وسلَّم- فسمّاه إبراهيم، فحنكه بتمرةٍ، ودعا له بالبركة» ([3]).
وكان يداعب رسول الله الأطفال حتى في طرقاته، يقول يعلى بن مُرَّة: خرجت مع
النّبيّ -صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم- على طعامٍ، فإذا الحسين بن علي
يلعب في الطّريق، فأسرع النّبيّ أمام القوم، ثم بسط يديه ليأخذه فطفق
الغلام يفر هنا ويفر هنا، ورسول الله يلاحقه ويضاحكه، بل كان يأخذ أسامة بن
زيد والحسن بن علي فيقعدهما على فخذه كل على ناحية ثم يضمهما ويقول:
«اللهمّ ارحمهما فإني أرحمهما» ([4]).
«خرج علينا النّبيّ -صلَّى الله عليه وسلَّم-، وأمامة بنت أبي العاص على عاتقه، فصلَّى، فإذا ركع وضعها ، وإذا رفع رفعها» ([5]).
([1]) حسنه الألباني 3325 في السّلسلة الصّحيحة.
([2]) رواه البخاري (3071).
([3])متفقٌ عليه.
([4])رواه البخاري (6003).
([5]) متفقٌ عليه.